responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 412
يَقْتَضِي تَكْوِينَ الْكَائِنِ وَتَحْصِيلَ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ فَثَبَتَ أَنَّ زَوَالَ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ وَحُصُولَ الْعِلْمِ وَالْهِدَايَةِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلِلرَّحْمَةِ خَلَقَهُمْ، وَهَذَا اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ. قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: وَلِلِاخْتِلَافِ خَلَقَهُمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ عَوْدَ الضَّمِيرِ إِلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوْلَى مِنْ عَوْدِهِ إلى أبعدهما، وأقرب المذكورين هاهنا هُوَ الرَّحْمَةُ، وَالِاخْتِلَافُ أَبْعَدُهُمَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ خَلَقَهُمْ لِلِاخْتِلَافِ وَأَرَادَ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْإِيمَانَ، لكان لا يجوز أن يعذبهم عليه، إذ كَانُوا مُطِيعِينَ لَهُ بِذَلِكَ الِاخْتِلَافِ. الثَّالِثُ: إِذَا فَسَّرْنَا الْآيَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى، كَانَ مُطَابِقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذَّارِيَاتِ: 56] .
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ الْمُرَادُ وَلِلرَّحْمَةِ خَلَقَهُمْ لَقَالَ: وَلِتِلْكَ خَلَقَهُمْ وَلَمْ يَقُلْ: وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ.
قُلْنَا: إِنَّ تَأْنِيثَ الرَّحْمَةِ لَيْسَ تَأْنِيثًا حَقِيقِيًّا، فَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْفَضْلِ وَالْغُفْرَانِ كَقَوْلِهِ: هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي [الْكَهْفِ: 98] وَقَوْلِهِ: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الْأَعْرَافِ: 56] .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ وَلِلِاخْتِلَافِ خَلَقَهُمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ خَلَقَ أَهْلَ الرَّحْمَةِ لِلرَّحْمَةِ وَأَهْلَ الِاخْتِلَافِ لِلِاخْتِلَافِ. رَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: خَلَقَ اللَّه أَهْلَ الرَّحْمَةِ لِئَلَّا يَخْتَلِفُوا، وَأَهْلَ الْعَذَابِ لِأَنْ يَخْتَلِفُوا، وَخَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا، وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: الدَّلَائِلُ الْقَاطِعَةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْجَهْلَ لَا يُمْكِنُ حُصُولُهُمَا فِي الْعَبْدِ إِلَّا بِتَخْلِيقِ اللَّه تَعَالَى. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَمَ عَلَى الْبَعْضِ بِكَوْنِهِمْ مُخْتَلِفِينَ وَعَلَى الْآخَرِينَ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الرَّحْمَةِ وَعَلِمَ ذَلِكَ امْتَنَعَ انْقِلَابُ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَزِمَ انْقِلَابُ الْعِلْمِ جَهْلًا وَهُوَ مُحَالٌ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَهُ: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ أَقْوَامًا لِلْهِدَايَةِ وَالْجَنَّةِ، وَأَقْوَامًا آخَرِينَ لِلضَّلَالَةِ وَالنَّارِ، وَذَلِكَ يُقَوِّي هَذَا التأويل.

[سورة هود (11) : آية 120]
وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْقِصَصَ الْكَثِيرَةَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَوْعَيْنِ مِنَ الْفَائِدَةِ.
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: تَثْبِيتُ الْفُؤَادِ عَلَى أَدَاءِ الرِّسَالَةِ وَعَلَى الصَّبْرِ وَاحْتِمَالِ الْأَذَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا ابْتُلِيَ بِمِحْنَةٍ وَبَلِيَّةٍ فَإِذَا رَأَى لَهُ فِيهِ مُشَارِكًا خَفَّ ذَلِكَ عَلَى قَلْبِهِ، كَمَا يُقَالُ: الْمُصِيبَةُ إِذَا عَمَّتْ خَفَّتْ، فَإِذَا سَمِعَ الرَّسُولُ هَذِهِ الْقِصَصَ، وَعَلِمَ أَنَّ حَالَ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّه عَلَيْهِمْ مَعَ أَتْبَاعِهِمْ هَكَذَا، سَهُلَ عَلَيْهِ تَحَمُّلُ الْأَذَى مِنْ قَوْمِهِ وَأَمْكَنَهُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ.
وَالْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي قَوْلِهِ: فِي هذِهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَثَانِيهَا: فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَثَالِثُهَا: فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، وَهَذَا بَعِيدٌ غَيْرُ لَائِقٍ بِهَذَا الْمَوْضِعِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 412
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست